عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شرح سلم الوصول وأبواب من كتاب التوحيد
81979 مشاهدة
لعن الله من ذبح لغير الله

الآية الأولى: قوله تعالى في سورة الأنعام يقول: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ النسك: هو الذبح.قال الله تعالى في سورة البقرة: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ وإن كان أصل النسك هو العبادة؛ ولكنه أُطلق في الآية على أنه الذبح، جمع الله في هذه الآية بين الصلاة وبين الذبح، وأنها لله. إن صلاتي كلها لا أصرفها لغير الله، لا أصلي لغير الله، ونسكي يعني ذبحي لا أذبح لغير الله.لماذا جمع بينهما؟ لأن الصلاة أشرف وأفضل العبادات البدنية، والنسك هو أشرف وأفضل العبادات المالية؛ فلذلك جمع بينهما، وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي أي: ما أحيا عليه، وما أموت عليه، ما آتيه في حياتي، وما آتيه بعد مماتي، أو ما أموت عليه، كل ذلك لله لا أصرف منه شيئا لغيره، فهذا دليل على وجوب أن يكون الذبح لله، كما أنه لا يجوز أن يصلي لغير الله فلا يجوز أن يذبح لغير الله.
الآية الثانية: قوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ جمع أيضا بين الصلاة وبين النحر، أي: انحر لربك أي: اجعل نحرك بما تنحره من البهائم اجعله لله تعالى، كما أنك لا تصلي لغيره فلا تنحر لغيره، فهذا دليل على أن الذبح لغير الله مثل الصلاة لغير الله، لا شك أن من صلى لغير الله فقد أشرك، هكذا من ذبح لغيره.
الحديث الأول: يقول علي -رضي الله عنه- حدثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأربع كلمات، أتى بلفظ التحديث؛ ليدل على التأكد، أنه تأكد من أنه سمع ذلك من النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه حدثه منه إليه، ويراد بالكلمات الجمل أي: أربع جمل في هذا الحديث:
الجملة الأولى: والتي بدأ بها: لعن الله من ذبح لغير الله اللعن: هو الطرد والإبعاد من رحمة الله. ولا شك أنه دليل على تحريم الشيء الذي لُعن عليه، فإذا لعن على الذبح لغير الله دل على أنه محرم؛ بل إنه شرك، كما تبين من الأدلة الأخرى، فلا بد أن الذي يذبح لغير الله ويستمر عليه يقع في الشرك، ويستحق اللعن الذي هو الطرد والإبعاد من رحمة الله.
الجمل الأخرى تتعلق بمواضيع أخرى، قوله: لعن الله من لعن والديه، لعن الله من آوى محدثا، لعن الله من غير منار الأرض ( من لعن والديه ) يعني: شتمهما. أو تسبب في شتمهما؛ استحق اللعن، التسبب يكون كالمباشرة؛ جاء في الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- من الكبائر شتم الرجل والديه، قالوا: وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه فهذا دليل على أنه إذا باشرهما كان أشد إثما؛ الله تعالى قد عظم حق الوالدين وقرنه بحقه أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ فالذي يسب إنسانا يسب والدي إنسان، ثم ذلك الإنسان يسب والديه يكون متسببا، فيكون هذا من التسبب؛ فيدخل في الوعيد.
وأما قوله: ( من آوى محدثا )، وقرأها بعضهم: مُحْدَثًا. المحدِث: هو المذنب والعاصي، أو المبتدع، والمحدَث: هو الأمر المنكر، والإيواء: هو النصرة. ( من آوى محدثا ). يعني: من نصر المحدث ومكن له، المحدث المبتدع أو العاصي ونحوه، أو الذي ينصر .. يقترف معصية، من نصره وآواه وحماه وأيده ومكن له حتى يظهر بدعته ويظهر محدثه وما أحدثه دخل في الوعيد، فمثلا: إذا دعا إنسان إلى إنشاء مسارح، وملاعب للأشر والبطل وللاختلاط ونحوه؛ فمن أيده دخل في اللعن؛ فكيف بالفاعل؟
وكذلك: لو اقترح إنسان ملعبا يكون فيه غناء، وخمر، وزمر، فمن نصره ومكن له وقال: اتركوه؛ فإن فيه مصلحة، وإن فيه فائدة، وإن فيه مثلا جباية أموال وإيرادات، وما أشبه ذلك، صدق عليه أنه آوى محدثا.
وكذلك لو دعا إنسان إلى السفور فأيده آخرون ونصروه، وقالوا: اتركوه وما يقول؛ فقد آووا محدثا، وكذلك لو دعا إنسان إلى إباحة الزنا؛ فأيده آخر ونصره ومكن له، وقال: اتركوه وما يدعو إليه وما يفعله، دخل في إيواء المحدث، والأمثلة كثيرة.
( منار الأرض ) يعني: علاماتها التي تفصل بين الأملاك. إذا كانت أرض بين اثنين ثم اقتسما هذه الأرض، وجعلوا لها منارا يعني: مراسيم تحجز أرض هذا عن أرض هذا، فجاء إنسان وجاء مثلا أحدهما فقلع هذه المنار، وأدخلها في أرض جاره؛ ليأخذ من أرضه شيئا؛ فقد غير منار الأرض، وقد أخذ ما لا يحل له، قد اقتطع من أرض جاره ما لا يحل له، وغَصْبُ الأرضِ وأخذُها من كبائر الذنوب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- من اقتطع شبرا من الأرض طوقه من سبع أرضين يعني: جعل في طوقه، جعل طوقا له من سبع أرضين، وهذا وعيد شديد.